بسم الله الرحمن الرحيم
تَحيَّة وبعد أعزاءي أبا ضياء ومحمَّد الحسيني الأكارم.
أرجو منكما أَن لا تعلوا عليَّ بمعرفتكم وتَبَنّيكم لبعض (الإسرائيليات) (اليهوديّات) التي جاءت في كُتب التفسير المأخوذة أصلاً من بعض أهل الكتاب بعدَ اعتناقهم الديانة التوحيدية المُحَمَّديّة. وأنا بنفس الوقت لا أريد أن أعلو عليكم بما تَوَصَّلت إليه من معلومات تَوَصَّلت إليها من خلال العلم والعقل والالتزام بِسِنَن الله التي لا يمكن لأيّ كان من البشر الشّكَ بها أو تبديلها ولو نُقِلَت كَذباً وبهتاناً عن رُسل الله صلوات الله عليهم. كما أنَّ تأخّري في الرد على الرسالة كانَ بسبب انهماكي مُعظم الوقت في إعادة كتابة قصَص الأنبياء التي توارثناها من (الإسرائيليات) والصحيح هوَ (اليهوديّات).
لَقَد تناولت في مؤَلَّفي السابق (نهاية التاريخ في الفكر الإسلامي الحديث) وفي مؤَلَّفي الحالي الذي لّم يُطبع بعد، عن المقصود بـ(إسرائيل وبني إسرائيل) والحمد لله وَجَدتُ مَن أَخَذَ بما تَوَصَّلت إليه من العديد مِنَ الكُتّاب والباحثين المؤمنين بالله أمثال الباحثة (عَبير عبد الرحمن يس) التي نَشَرت مقالاً في مُنتديات بوّابة العرب تحتَ عنوان (حضارة الحجر) (الحضارة المعينيّة) يُمكنكما الاطّلاع عليه.
ونَظَراً لاستحالة ذِكر كلّ ما جاء في بّحثي المؤَلَّف من العديد من الصفحات حولَ هكذا موضوع، فإنَّني سأوجزها بأسطر وآمل أن تفي بالغرض للإجابة على سؤالكم. ولكني قبلَ البدء، فأنا أَتَحَدَّاكم أنْ تَذكروا لي آية واحدة في القرآن الكريم يُعلمنا بها تعالى أنَّ يَعقوب هُوَ إسرائيل!!
1 - فَعلينا قَبلَ كلِّ شيء أنْ نَتَوَصَّل إلى مَعرفة ما تعنيه (فَضَّلتكم على العالمين) ؟ بِحيثُ لا تتعارض مَعَ نُصوص آيات أُخرى لا مجال للاجتهاد أو تَبديل في معناها ومَقْصدها. كَقوله تعالى:
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) الآية (86) سورة الأنعام. فهل هؤلاء الأنبياء هم من ذريَّة يعقوب !!! وجميعهم بُعِثوا قبلَ ولادة يعقوب.
2 - جاء في الكتابات التي اكْتُشِفَت في إيبلا والتي تعود إلى القرن (24) قبل الميلاد ورود اسمَي (اسمع إيل) (إسرائيل) خلافاً لما وردَ في التوراة (سفر الخروج) أنَّ هذا الاسم ظَهَرَ في القرن (18) ق.م. وهو تاريخ وجود يعقوب ().
وقد أكَّدَ على ذلك الدكتور عفيف بهنسي المدير العام السابق لمتحف دمشق في كتابه (وثائق إيبلا) المطبوع في دمشق عام /1984/ الصفحة (91) .
3 - ورد اسم يعقوب في القرآن الكريم 14 مرَّة وَلَم يَذكره تعالى ولا مرَّةً واحدةً باسم (إسرائيل) حتّى وفاته إذ قال تعالى : ((أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).الآية (133) البقرة.
4 – وكأنَّه تعالى العالم الوحيد بِعلم الغيب، تَنَبّأ بالتحريف والتزوير الذي سَيَحصل في المقصود بـ(إسرائيل وبني إسرائيل) بَعدَ نُزول التوراة على نبيِّنا ورسولنا العربي موسى عليه الصلاة والسلام. فَبَيَّنَ لنا من خلال سّرده لقصّة يوسف عليه السلام بَعضَ الصفاة لأخوته (بني إسرائيل) ومنها قوله تعالى: (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) ، وكذبهم حينما جاءوا بعد أن كان في نيّتهم قتل أخيهم واقترح أحدهم بإلقائه في البئر(فَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ), وكذَّبوا على أخيهم يوسف واتّهموا أخيه الثاني بأنَّه سارق (وقد سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ). فَلْيَتَصَوَّر أيّ منكم وهوَ مُؤمن بالله في ذلكَ الوقت وَقيلَ له إنَّ أولاد يعقوب عليه السلام على عَجَرهم وبَجَرهم وصفاتهم التي ذكرناها قبل قليل قّدْ فَضَّلهم الله وَفَضَّل ذُرِّيَّتهم على العالمين؟ فَهَل هذه من صفاة الله رَبّ العالمين!!!
5 - قال تعالى
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) الآية (26) سورة الحديد.
وقال أيضاً
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) الآية (124) سورة البقرة .
ألا تَكفي الآيات السابقة لِتَجزم بدون مجادلة أو تأويل أو تفسير أياً كان مَصدره، مِن أنَّه لا يوجد في الكون كافّة أيّ ذرّيّة لأيّ مخلوق ولو حتّى كان نبيّاً أو رسولاً أو إماماً للأنبياء خَصَّها الله بالتفضيل!! وهذا بيان صريح في قوله تعالى (فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).
ألا تَكفي هذه الشواهد لِدَحض مَن يَفترون على الله الكذب ويَقولون بأنَّ الله فَضَّلَ ذرّيّة يعقوب على العالمين.
فالذي ذَكرته سابقاً هوَ غيض من فيض لإثبات بأنَّ المقصود بـ(إسرائيل) ليسَ يعقوب عليه السلام. ومن أنَّ المقصود بـ(بَني إسرائيل) ليسَت ذُرِّيَته!!
أُكَرِّر اعتذاري عَن التأخير في الرّد وما التوفيق إلّا من عند الله.
أمريكا – نورث كارولاينا
9 / 3 / 2016