قص الشعر والأظافر في عشر ذي الحجة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:-
هناك أمر هام لربما ينساه كثير منا، وهو أن من أراد أن يضحي يوم النحر – في عيد الأضحى- فإن الإسلام ألزمه بشيء ربما لم يخطر على بعضنا، أو ينساه ويغفل عنه أكثرنا. وهذا الأمر هو أن لا يأخذ الإنسان من شعره ولا من أظافره حتى يذبح أضحيته.. وهذا طبعاً – لغير المحرم- أما الذي قد أحرم بالحج في هذه الأيام أيام عشر ذي الحجة، فإنه يحرم عليه أن يقص أو ينتف شعره، أو يقص أظفاره ما دام محرماً إلى أن يذبح يوم العيد – وهذا أمر معلوم لدى الجميع- إلا أن الأمر الذي يجب التنبه له هو أن من نوى الأضحية ليذبحها فإنه ممنوع من قص الأظافر والشعر؛ والدليل على ذلك حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره). رواه أحمد ومسلم.
أخي الكريم: إذا أردت الأضحية ودخل شهر ذي الحجة إما برؤية هلاله أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً فإنه يحرم عليك أن تأخذ شيئاً من شعرك، أو أظفارك أو جلدك حتى تذبح أضحيتك لما ذكر في الحديث السابق عن أم سلمة..
واعلم أخي: أنك إذا نويت الأضحية أثناء العشر مثلاً: في اليوم الثالث أو الرابع من شهر ذي الحجة فإنك تمسك من ذلك الحين، ولا إثم عليك فيما أخذته من شعر أو ظفر قبل ذلك، بشرط أن لا تكون قد عزمت من قبل على الأضحية.
أخي الكريم: هل تعلم ما هي الحكمة من هذا النهي؟
إن كل أمر في ديننا لا بد وأن تكون من ورائه حكم كثيرة سواء عرفناها أم لم نعرفها... فإن عرفنا الحكمة فيزداد إيماننا ويقيننا، وإن لم نعرفها فيزداد تسليمنا ومعرفتنا أن كل أمر أو نهي في شرعنا فهو خير مطلق لنا ولغيرنا.
أما الحكمة من منع المريد للأضحية من نتف شعره أو حلقه وكذا أظافره، فهي:
أن المضحي لما شارك الحاج في بعض الأعمال وهو ذبح القربان وهو ما يتقرب به إلى الله، شاركه في بعض خصائص الإحرام من الإمساك عن الشعر ونحوه، وعلى هذا فيجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم.
وهذا الحكم خاص بمن يضحي، أما المضحى عنهم كالوالدين والأهل والأولاد فلا يتعلق بهم هذا الحكم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أراد أحدكم أن يضحي) ولم يقل أن يضحى عنه؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي عن أهل بيته، ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك.
تنبيه هام:
بعد أن تبينت لك الحكمة من النهي عن الأخذ من الشعر والأظافر للمضحي فما حكم من أخذ شيئاً من ذلك، كأن ينتف من شعره أو يحلق؟!
إذا خالف النهي فإنه يأثم ويتوب إلى الله –تعالى- ولا يعود، وليس عليه كفارة؛ لعدم ورود ذلك في الشرع.. وليذبح أضحيته ولا تسقط بمجرد حلق شعره أو قص ظفره، ولا يمنعه ذلك من الأضحية.
ومن الحكم التي من أجلها شرع هذا الأمر إضافة إلى ما قد سبق:
إظهار نعمة الله على العبد بما أسبغ عليه من نعم كثيرة، وكذا الإمتثال لأمر الله، فإن الامتثال لله –تعالى- يعد من علامات التقوى، لأن الله -عز وجل- أراد منا التسليم لأحكامه التي هي خير مطلق للبشرية، وما عداها فهو الشر الكبير، وفي الامتثال والتقوى، يقول الله –تعالى- عن الأضاحي والكفارات في الحج أو الهدي: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} (37) سورة الحـج. والتقوى هنا: الإخلاص فيها، والامتثال لأمر الله، ولا يكفي الامتثال المجرد، بل لا بد من حب الامتثال والاطمئنان للتسليم، كما قال الله –تعالى-: { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء، فما يصل إلى الله ليس مجرد الذبح أو النحر، وإنما تقوى العبد وتسليمه لأمر الله هو الذي يصل إلى الله، ويكتبه الله للعبد في سجل حسناته..
نسأل الله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وعيداً طيباً مباركاً.
والله الموفق،،،