بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الصديق الصدوق حقاً
أرجو منكَ إضافة هذه المقدّمة بعد موافقتكَ عليها في الموقع المخصَّص للمخطوطات العربية والبحوث الإسلامية.
تعريف الإعجاز:
الإعجاز- هو إثبات عدم القدرة , أو- القصور - عن فعل الشيء. وهو أمر خارق للعادة , مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة ، غير مااعتاد عليه الناس من سنن الكون والظواهر الطبيعية . فلا يمكن لأحد أن يعارض هذا الأمر ولا يستطيع أن يأتي بمثله. لقد نزل القرآن الكريم باللّغة العربية لإثبات عظمة هذه الَّلغة وبلاغتها وقد اهتمَّ المسلمون بوجه من أوجه إعجاز القرآن وهو لبلاغته حيث نزل بلسان ولغة العرب في وقت كانوا فيه أصحاب الكلام وأرباب القلم، فوجدوا فيه مالا يستطيعون مجاراته. قال الدكتور اندري رومان أستاذ الّلغويات العربية بكلية الآداب بجامعة اكس سان برفانس: (بحكم تخصّصي في الّلغة العربيَّة ومعرفتي الطويلة بها ومعاشرتي لها وتعمُّقي في دراستها وتدريسها والاتّصال بأهمّ مصادرها ومتابعتها ومعرفتي للّغات الأخرى فإنَّ الإنصاف العلمي يفرض عليَّ أن أقول في بداية محاضرتي أنَّ الَّلغة العربيَّة هي أعظم لغة في العالم، لِما امتازت به من ثراء واسع وتنوّع رائع ومرونة كبيرة ومبادئ تطوّريّة عظيمة وقاعدة علميّة متقنة إلى غير ذلك من الخصائص والمميّزات التي تجعل الَّلغة العربيّة في مقدمة الّلغات العالميّة بل إنّها أعظمها على الإطلاق، ولا أقول لكم هذا بدافع المجاملة وإنَّما هي الحقيقة العلميّة المجرَّدة وقد كتب لهذه الّلغة الخلود والانتشار إذ أصبحت لغة الدين فحينما حلَّ الدين حلّت معه الَّلغة العربية.
أضيف إلى ما سبق بعد اكتشافي - أصل ومنشأ أوّل أبجدية - في حضارتنا الحاليّة ، أنَّ حروف هذه الأبجديّة العربيّة الـ(29) ؛التي نزَلَت بها كافّة الكتب المقدَّسة منذ أوّل خلق لبني البشر بعد الانفجار الكوني الأوَّل وإلى ما شاء الله في خلقه وطيّ السماوات السبع. ليست من ابتكار أو اختراع بني البشر، بل هي هبة من الله تعالى إلى أمَّة أطلق عليها اسم : (الأمَّة العربيّة).
ومن أهم إعجاز الكتب المقدَّسة والذي آخرها القرآن العظيم ذكرها العلماء بالتفصيل: * -
احتوائه على شتّى العلوم لا يحيط بها بشر مهما بلغوا من تقدّم ورقي وحضارة , وكان إثباتاً ودليلا قويا على أنَّها من عند الله المحيط بكل شيء علماً.(وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء).
ومن إعجازه ما تضمّنته الكتب المقدَّسة من علم الغيب بأخبار المستقبل وما يكون ، مثل إعطائه القرائن التي أدَّت إلى زوال واندثار العديد من الحضارات القديمة وهي نفسها التي ستؤدي إلى نهاية حضارتنا الحاليّة، والقرائن الدالّة على انتهاء الحياة بكل أشكالها على هذا الكوكب ، والإشارات والقرائن الدالّة على انتهاء الكون بما فيه من كواكب ونجوم ومخلوقات .
ويكفى أن نورد بعض أراء علماء الغرب ومفكّريه في القرآن الكريم . يقول الدكتور الفرنسي موريس بوكاي
إنَّ القرآن أفضل كتاب أخرجته العناية الأزليّة لبنى البشر ، وإنَّه كتاب لاريب فيه). ويقول هنري دي كاستري: (إنَّ القرآن يستولي على الأفكار ويأخذ بمجامع القلوب ، ولقد نزل على محمَّد دليلا على صدق رسالته). ويقول واشنطن ايروينج: (يحوي القرآن أسمى المبادئ وأكثرها فائدةً وإخلاصاً). ويقول جوتيه: (إنَّ تعاليم القرآن عمليّة ومطابقة للحاجات الفكريّة) ويستمر قائلا: (إنَّ أسلوب القرآن في فحواه وهدفه قويّ كبير خصب ومتسامي في كثير من الأحوال فهكذا فلا عجب أن يكون محلَّ دهشة وإعجاب الكثيرين. وأنَّ هذا الكتاب كلّما قرأناه كلَّما انجذبنا إليه وأثار دهشتنا وفي النهاية خلَقَ فينا احتراماً وتقديراً) . ويقول ليون: (حبّ القرآن جلالةً ومجداً. إنَّ الأربعة عشراً قرناً التي مرَّت عليه لم تستطع أن تخفّف ولو بعض الشيء من أسلوبه الذي لايزال غضاً كأنَّ عهده بالوجود أمس). ويقول ألكس لوازون
خلَّف محمَّد للعالم كتاباً هو آية البلاغة وسجّل الأخلاق، وهو كتاب مقدّس وليس بين المسائل العلميّة المكتشفة حديثا أو المكتشفات الحديثة، مسألةً تتعارض مع الأسس الإسلاميّة، فالانسجام تامّ بين تعاليم القرآن والقوانين الطبيعيّة). ويقول جيمس متشنر
لعلَّ القرآن هو أكثر الكتب التي تقرأ في العالم وهو بكلّ تأكيد أيسرها حفظاً وأشدَّها أثراً في الحياة اليوميّة لمن يؤمن به، فليس طويلا - كالعهد القديم - وهو مكتوب بأسلوب رفيع أقرب إلى الشعر منه إلى النثر، ومن مزاياه أنَّ القلوب تخشع عند سماعه وتزداد إيمانا وسموّاً، وأوزانه ومقاطعه كثيراً ما قورنت بدقّات الطبول وأصداء الطبيعة والأغاني المعروفة في الجماعات القديمة.
ومن الملاحظ أنَّ القرآن يتّسم بطابع عملي فيما يتعلَّق بالمعاملات بين الناس وهذا التوفيق بين عبادة الإله الواحد وبين التعاليم العمليّة، جعل القرآن كتاباً فريدًا ووحدة متماسكة) . لقد حقَّق القرآن معجزةً لا تستطيع أعظم المجاميع العلميّة أن تقوم بها ذلك أنّه مكَّن للّغة العربيّة في الأرض، بحيث لو عاد أحد أصحاب رسول الله إلينا اليوم، لكان ميسوراً له أن يتفاهم تمامَ التفاهم مع المتعلّمين من أهل الّلغة العربيّة ، بل لما وجد صعوبة تذكر بالتخاطب مع الشعوب الناطقة بالضاد. وهذا عكس ما يجده مثلاً احد معاصري رابيليه من أهل القرن الخامس عشر الذي هو أقرب إلينا من عصر القرآن من الصعوبة في مخاطبة العديد الأكبر من فرنسيين اليوم. وأنَّ لغة القرآن وإن كانت تمَّت في أصولها إلى عصور بعيدة قديمة فهي مرنة طيّعة تسع التعبير عن كل ما يجدّ من المستكشفات والمخترعات الحديثة دون أن تفقد شيئاً من رونقها وسلامتها، وثمَّ وجود هذه الحقائق العلميّة الموجودة في القرآن من المستحيل على الإنسان أن يتوصَّل إلى معرفتها إلا بالاستعانة بالوسائل العلميّة الحديثة ، مع معرفة مسبقة لركام من الحقائق الأوليّة التي يستحيل معرفتها بدونها. وعندما يأتي إنسان أميّ من أمة أميّة ، وقبل أربعة عشر قرناً وهم لا يملكون من الوسائل العلميّة أيَّ شيء ، ولا يعرفون الحقائق الأوليّة التي يجب الاستناد عليها لإدراك المواضيع التي جاء بها. عندما يأتي هذا الإنسان ويورد هذه الحقائق فإنَّ أيّ عاقل في الوجود لا يستطيع أن يفرد هذا الأمر إلا إلى قوى خارقة تعلو على الإمكانيّات البشريّة ولن نجد لها أيَّ تفسير إلّا أنهَّا وحي من لدن عليم خبير.
وإنَّ هذه الآيات إنَّما هي معجزات أعطاها الله إلى رسوله لتكون برهاناً على أنَّ ما جاء به هو الحقّ. إذ لو كانت من عنده لأتى بما يتّفق مع معتقدات الناس من حوله أو لأتى بشيء لا يخرج عن الإطار الفكري لذلك العصر، فهل كان في زمن الرسول وقبله وبعده أحد عنده ذلك العلم؟ كلاّ إنَّهم كانوا يجهلون كلَّ هذه الأشياء إلا بعض فرضيّات يشوبها الكثير من الخرافة. والبيئة التي كان يعيش فيها العرب قبل الإسلام صحراء جرداء قليلة المياه وأنَّ مثل هذه البيئة تجعل الشعوب التي تعيش فيها بمعزل عن ركب الحضارة، فهل يمكن أن ينتشر العلم في بيئة هذه ظروفها الطبيعية، فكيف يستوعبون العرب العلم وقد غلبت عليهم البداوة والتنقّل من مكان إلى آخر. وهكذا لم يكن للعرب في الجاهليّة أيّ أثر للعلم عندهم، بل كان الجهل فاشياً فيهم والأمية منتشرة وكانت الخرافات والأساطير منتشرة بينهم وأكثر كتب التاريخ تروي لنا هذه الأساطير التي كانت منتشرة بين العرب. ويقول البلاذري في كتابه فتوح البلدان
إنَّ الإسلام دخل وفي قريش سبعةَ عشرَ رجلاً كلّهم يكتب)، فكيف إذن ينتشر العلم في مثل هذه البيئة؟ فكيف يكون للعرب في الجاهليّة نهضة علميّة وهم لا يعرفون القراءة ولا الكتابة ؟ قال الله في محكم كتابه: (هو الذي بعث في الأميّين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلمّهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).
لقد امتزج القرآن بالبلاغة والفصاحة والعلوم الكونيّة وقد فسّر القرآن وبسَّط المعارف الكونيّة لمسايرة أفكار الناس البسيطة تفسيراً بسيطاً يشبع حاجاتهم من الثقافة العلميّة في ذلك العصر الذي أنزل فيه القرآن الكريم. وقد أدرك النّاس في ما يحتويه القرآن من إعجاز علميّ لم يكن مكشوفاً لهم سابقاً من ناحية ما يحتويه أو يرمز إليه من علوم الكون والاجتماع وهذه العلوم الكونيّة التي جاء بها القرآن، كشف للناس بأن ليس هناك عداوة بين العلم والدين منذ أن أنزل القرآن على النبيّ وكان هدف القرآن مستقبلاً هو استمالة غير المسلمين إلى الإسلام من هذا الطريق العلمي الذي يخضعون له دون سواه ، في هذه الأيّام . وهذه الآيات العلميّة التي تكتشف الآن في القرآن وتتحقّق على أرض الواقع تثبت على أنَّه كلام الله سبحانه وتعالى والإيمان به لأنَّه كتاب الساعة ودستور الناس القيّم إلى يوم القيامة، يصلح لكلّ زمان ومكان وأنَّه كتاب غنيّ بكلّ ما يحتاجه إليه البشر من ألوان السعادة .
*- إنَّ الكتب السماويّة مهما تعدّدت أسماؤها: (صحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور وما أنزل على الرسل والأنبياء كافّة) منذ بدء الخلق حتى نهايته أي منذ – آدم الأوَّل – مروراً بآدم الذي هَبَطَ على سطح هذا الكوكب . ونوح عليه السلام، هي كتاب واحد لا ثاني له. وعلى وجه التّحديد الآيات التي أطلَقَ عليها تعالى (أمّ الكتاب)، نَزَلَت بالأحرف واللّغة العربيّة. وهذا ما سأبيّنه لا حقاً بشكل علمي مقروناً بالدلائل الماديّة الملموسة . ولكنَّ المخلوقات (المنحطّة) (اليهود) أخفت الكتب الحقيقيّة التي نَزَلت قبلَ القرآن الكريم وحَرَّفت آياتها ليجعلوا الناس تكفر بالله وتكفر بالأنبياء الذين نزلت عليهم هذه الآيات. كما أنّ هنالك سبباً آخر لم يلاحظه الكثير من الباحثين أدّى إلى التزوير والتحريف في الكتب السابقة للقرآن الكريم ، هو أنّ العرب قبل الديانة المحَمَّديَّة التوحيديَّة اختزلوا في كتاباتهم لآيات الكتب المقدسة وما أنزل على الأنباء والرسل - الـ(29) - حرفاً عربيّاً ، التي اكتشفها إمام الأنبياء والرسل إبراهيم صلى الله عليه وسلَّم من منازل القمر في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد ، إلى (22) حرفاً، وحذفوا السبعة الحروف المسماة بـ(الروادف)، ممّا ساعد أعداء ديانة التوحيد (الإسلامية) في التزوير والتحريف في هذه الآيات. ومن أجل ذلك أمر تعالى النبي (محمد) () بأن تكتب آيات القرآن الكريم بـ(29) حرفاً بالكامل دون نقصان أو زيادة ،وهذا ما تبيّنه الآية التالية (وَلَقَدْ ءَاتَيْنَـاكَ سَبْعًا مّـِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ ) الآية ( 87) سورة الحجر
إنَّ ما وصلنا إليه اليوم من حقائق علميّة في الميادين المختلفة للحياة قد زاد من وعينا بقدرة الله وعلمه وحكمته وبديع نظامه وإتقانه لكلّ شيء خلقه وإنّه من هنا تكون العلوم الطبيعيّة داخلة في دراسة المفاهيم القرآنيّة. (سنريهم آياتنا في الأفاق وفى انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق) فماهي هذه الآيات التي سيريها الله للناس في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيَّن لهم أنَّ القرآن حق من عند الله؟ ماهي هذه الآيات إن لم تكن هي الآيات العلميّة والتي هي حقائق هذا الكون والتي من المستحيل أن يكون قائلها إنساناً وجد قبل أربعة عشر قرناً ؟ وهل كان باستطاعة محمّد () أو غيره من الّذين كانت الإنسانيّة في عصرهم تجهل كلَّ شيء من هذه المواضيع العلميّة !هل كان باستطاعتهم أن يعرفوا شيئاً منها بهذه الدّقّة وهذا الوضوح ؟ فهؤلاء العلماء وغيرهم الكثير ابتدأوا أولاً بفكرة الإنكار، ثم بعد ذلك أدركوا خطورة الدلالة على صحتها ، وبعد ذلك لم يبق لهم إلا أداء الواجب بالإعلان عن إيمانهم المطلق بالله جلاّ جلاله.
أمام هؤلاء الفلاسفة الغربيين الكبار ظهر أيضاً عباقرة عرب قديماً وحديثاً أمثال :
(الرازي وابن القيّم الجوزيّة والغزالي والفارابي وابن سيناء وابن رشد وابن طفيل وابن أماجة...إلخ) ، من العصر القديم ، وكذلك (الشيخ محمد مصطفى المراغي والشيوخ محمد حسنين مخلوف ومحمود شلتوت ومحمد بخيت ومحمد أبو زهرة) وغيرهم ، من العصر الحديث .
مع تمنياتي لك بالتوفيق
30 / 6 / 2016